الثورة و التغير الإجتماعي
بعد مشاركة الكثير من الجزائريين في الحرب العالمية الأولى، تحريرا لفرنسا، و بعد وعدها بمنح الجزائريين الاستقلال، ورجوعهم محملين بالفكر الثوري. استغل الجزائريون الفرصة لمطالبة فرنسا بتحقيق وعدها، فردت بمجازر 8 ماي، التي بلغ ضحاياها 45000 قتيل في يوم واحد.
ضربت الثورة بكل قوتها سنة 1954. تأثير الثورة لمس كل فئات و أطياف المجتمع، في الأرياف كما المدن، فرديا، أسريا، و على المستوى المحلي.
كاستجابة لمتطلبات النزاع، ظهرت النزعة الفردية، القدرة الشخصية، الزعامة الحربية. النساء، و اللاتي كان دورهن التحجب و رعاية البيوت، وجدن أنفسهن في أتون الحرب فجأة. كانت الحرب بالنسبة للكثيرين، تغيرا جذريا لذهنية القبيلة و العالم وراء القبيلة.
كان الشباب دوما بحماسه، الظاهرة الفردية الواضحة، واضعا قادته الثوريين الجدد في المقدمة، بميول شخصية أكثر منها قبلية.
معارك ضارية، أخذت حوالي 7 سنين في أنحاء البلاد. سياسة فرنسا وقتها حملت على ما بقي فيها و عزلتها في المحتشدات الجبرية، أكثر من 2 مليون قروي جمعوا أفرادا. عدد المبعدين الجزائريين عن أرضهم غير معروف بالتحديد، 3 ملايين هو الرقم الذي تعطيه السلطات الجزائرية، للمبعدين مؤقتا أو بشكل نهائي. إلى غاية 1965، كان هنالك تمركز ل 2 مليون شخص وسط البلاد في هذه المحتشدات.
زوال القبائل الصغيرة، عفا عن التحكم الإجتماعي بالفخر و الشهامة الذي كان شائعا. عوضا عن هذا، شارك الفرنسيون الذين شاهدوا آثار هذه المحتشدات، التضامن مع الغرباء المساكين. تدمير أواصر المجتمع القديم، قاس النساء، في نواحي مختلفة. على الرغم من هجرة تقاليد العائلة، نساء القرى، أين كان ارتداء الحجاب نادرا، عدن إليه طوعا، رغبة في الستر.
كنتيجة لهذا التشريد الفرنسي، فقدت النسبة الكبيرة من الأهالي الرباط بينها و بين أرض الأجداد. عائلات وجدت نفسها مفصولة عن غيرها، أسامي و ألقاب مشوشة متداخلة، و القبيلة المحطمة. النظام الفرنسي كان قائما على الخلية العائلية، عكس القبلية العربية، فتغير نمط عيش الأهالي، من الزراعة إلى اقتصاد المال.
حتى العلاقات بين الأجيال انقلبت، و الطبقية التقليدية ماتت. الشباب كان مستعدا لتقبل الأفكار الجديدة، الشيوخ تاركة أمور الدنيا، و فخرها، انعزلت بحسرة للآخرة. زيادة على هذا، أصبح الريفي محبا لحياة الاستيطان و الرخاء، مغيرا تقشفه في الأرياف سابقا.