إإلا مقدساتنا مثل رسولنا محمد.. الله صلى الله عليه وسلم
الحمدلله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ولي الصالحين، القائل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)} [سورة الحجر] خلق الخير والشر ليبلولنا أينا أحسن عملاً، هو القائل سبحانه عن نبينا الكريم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [سورة القلم]، وصلى الله وسلم على أزكى الخليقة وأفضل البشرية جمعاء، وأطهرهم وأنقاهم وسلم تسليماً كثيراً ماطلع الصبح ولاح، وما غرد غمري وناح..أما بعد:
ولد النبي صلى الله عليه وسلم في مدينة مكة الطاهرة، حتى إذا نزل عليه جبريل وأوحى الله له بالنبوة والرسالة، أنار ضياه كل مشرق ومغرب، بل كل البقاع، فأنار بخلقه وحلمه وصبره وعلمه كل ذي بصيرة، فأغاظ حاسدوه وكثر مكذبوه، واتهم بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه بأنه كاذب وساحر وكاهن و شاعر ومجنون كما قال تعالى على لسان هؤلاء {وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)} [سورة ص].
ومع ذلك كله صبر خير البرية وأزكى الخليقة على هذا الأمر بل طرد من الطائف وهام على وجهه... وتأذى كثيراً فقد أخرج البخاري عن عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها ـ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ: ((لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِى إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِى فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ)) فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: ((بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)).
فصلى الله عليك يارسول الهدى الذي ما انتصر لنفسه أبداً، ولم يرد جاهاً في هذه الدنيا، ولا منصباً ولا مالاً، إنما علماً أوحاه الله إليه وأراد تبليغه، انظر إلى هذا الإصرار الكبير، وإلى عظم أداء الأمانة التي قال عنها الله سبحانه {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)} [سورة الأحزاب].
فما كان من نبي الرحمة إلا أن يبغ هذا الدين ويحث على تبليغه ولو شيئاً يسيراً كل على قدرته وطاقته، فقال عليه السلام ((بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)). أخرجه البخاري 3499 والترمذي وأحمد من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
ثم نرى من هنا وهناك من يتصدى للنبي عليه الصلاة و السلام ويتكلم على شريعتنا المطهرة، وعلى رسولنا وعلى منهجه، {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)} [سورة آل عمران].
وهذا الأمر لم يكن بدعاً من القول والعمل بل كان أسلافهم هكذا كأبي جهل وأبي لهب تبت يداه وزوجه حمالة الحطب على ما قاموا به من سوء، ولكن الله ثبت رسولنا عن ما يقولون وهو ديدين الرسل فقد قال الله تعالى {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)} [سورة الأحقاف].
وحول موضوع الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم أقف بعض الوقفات التي أسأل الله أن ينالني وقارئها شرف الدفاع عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.. ومن ذلك:
* أسباب ما قام به المستهزئون بالرسول الكريم:
1- ضعف المسلمين: فلوا كانت شوكة المسلمين قوية والله ما كُتب قلم على ورقة استهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
2- كثرة المعاصي: التي امتلئت به الأمة الإسلامية من تقصير في الواجبات والأركان والمستحبات بل زاد على ترك ذلك أن جهر بالمعاصي في كل البقاع حتى في أشرفها والله المستعان.
3- البعد عن الدين: فهناك فئة من المسلمين صاروا يحملون الهوية وهم بعيدين كل البعد عن الدين وعن أهله.
4- تشويه الصورة من بعض المسلمين: فبعض الشباب وغيرهم ممن يسافر للغرب، يشوه صورة البذيئة، بل ويعملون أعمال محرمة مما أذهبت الصورة الحسنة للمسلمين، بعكس أولئك التجار الأوائل الذي أسلم على أيديهم الكثير من البلاد بأخلاقهم الحسنة..!
** هذه بعض النقاط حول أسباب تحامل هؤلاء الجهله على رسولنا الكريم ولو درسوا سيرته العطرة لما قالوا ذلك، بل ولرؤوا كل فضيلة وسماحة صلوات الله وسلامه عليه، وقد كتب أحد هؤلاء الجهلة المعروفين بالغرب كتاباً عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام يستهزئ به ويذكره بسوء وبعد فترة من الزمن، قرأ عن النبي صلى الله عليه وسلم ورأى عجباً وغرابة مما قرأه، فأخرج كتاباً آخر يتراجع فيه عن ما قاله في الكتاب الأول ويستنكره.
ونحن في هذه الأزمة والتكالب على النبي صلى الله عليه وسلم وحديث الناس حول هذا الموضوع ما جعلني أرى في الأفق نوراً ساطعاً وشمساً مشعة وراء هذا الشر، فالله لا يخلق شراً محضاً.
* ومن تلك الفوائد ومما حصل: