20 وسيلة لنصرة الأقصى للشيخ إبراهيم الدويش -إعادة نشرلمقال قديم-
مع إضافات لبعض الخطوات العملية من كاتب هذه الأسطر
مجلة البيان :عدد 199 ـ ربيع الأول 1425هـ
الحمد لله ينصر من نصره وأطاعه، ويخذل من ترك أمره وأضاعه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خير من نصر الدين وأعلى كلمته وبعد:
يا مسلمون انصروا الأقصى ولا تهنوا وطهروا القبلة الأولى من القذر
رأينا وسمعنا خلال الأيام الماضية الكثير من الوسائل لنصرة الأقصى والوقوف مع إخواننا في فلسطين ومنها: المظاهرات؛ والشجب والاستنكار بالخطب الحماسية، والمقالات المؤثرة؛ والقصائد الملتهبة، كل هذه وسائل للتعبير عما يجيش في النفوس ويعتلج في الصدور، وبغض النظر عن شرعية بعضها وجديتها ومدى تأثيرها فإنه يسرنا غضبة الإيمان لدى الشعوب؛ ومعرفتها بحقيقة اليهود؛ والنداء بالجهد ونصرة المستضعفين في فلسطين ..، وفي طيات هذه الأحداث خير كثير، لكن بعيدًا عن العاطفة والحماس، ومحاولة جادة للمراجعة والتدبر والبحث الجاد عن حلول عملية لا مجرد أصوات وانفعال يتجمد بمجرد التنفيس أو بمجرد كلام أو تصريح لامتصاص غضب الشعوب.
فهذه الصحوة في الشعوب الإسلامية تحتاج إلى توجيه وإلى تذكير وتحذير.
فتحتاج إلى توجيه بأن نصرة القضية تحتاج على مراجعة النفوس وتربيتها ورجوعها إلى الله بحق. فكم من متظاهر ربما لا يصلي فرضه، وكم من مستنجد يستغيث بغير الله، وكم من صارخ بعيد غافل عن الله وكم وكم...
وتحتاج إلى تذكير بأن الصيحة يجب أن تكون من أجل لا إله إلا الله، وأن القضية يجب أن تكون من أجل الله؛ فلا حمية ولا عصبية، بل لله وحده خالصة نقية.
وتحتاج إلى تحذير من أن يندس بين الصفوف بعض شياطين الإنس من الانتهازيين الذين لا يهمهم سوى مصالحهم وأهوائهم، ولذا أتمنى من كل قادر من علماء الأمة وإعلامييها الصادقين الجادين التكاتف والتعاون لتوجيه الشعوب ورسم الطريق الأسلم لها من خلال المنهج القويم منهج القرآن والسنة والصراط المستقيم {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الشورى:53].
فتعالوا إخوة الإسلام لنبحث عن حلول عملية فاعلة، ولا نحتقر شيئًا؛ فإن الجبال من الحصى؛ فإليكم بعضًا من هذه الوسائل:
وأول هذه الوسائل وأهمها: أن التغيير يبدأ من الداخل أولاً:
{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]. فإذا بدأ كل واحد من المسلمين بتغيير ما في نفسه وذاته، وجدد الصلة بالله تعالى فإن الله سيغير واقع المسلمين، ويمكنهم من عدوهم، ويجعل الدائرة تدور على عدوهم، فلا بد أن نعلم أن النصر له أسباب من أهمها: الرجوع إلى الله، والتمسك بالكتاب والسنة؛ فإلى متى والأحداث تطحن في أمتنا، ونحن غارقون في الترف والشهوات، وأنواع المحرمات من تحايل وربا، ولواط، وزنا، وخمور ومخدرات؟!
متى يشعر كل طواف بالقبور، مستغيث بها، أنه سبب من أسباب تسليط اليهود على المسلمين.
متى يعلم كل مرابٍ أنه سبب في البلاء الذي ينزل بساحة المسلمين؟
متى يعلم كل زان وشارب للخمر ومتعاط للمخدرات أنه ممن شارك اليهود في أذى المسلمين؟
متى يعلم كل عاص وغافل ولاه أنه من أسباب تأخر المسلمين،وذلهم وهوانهم؟!
إلى متى والشرك والبدع والخرافات تضرب أطنابها في الكثير من بقاع المسلمين؟
إلى متى ونحن غافلون عن المكر الدولي لأمة الإسلام باسم الإرهاب والتطرف؟
ألا يتعظ المثقفون من بني أمتي، المنخدعون ببريق الديموقراطية، والعدالة الغربية؟
ألا يتعظ الغافلون، من بني أمتي الغارقون في بحر الشهوات والطرب واللذات؟
ألا يتعظ المترفون، والعصاة والمذنبون، بأن مثل هذه الأحداث نذر وتذكير بأن الله يمهل ولا يهمل؟ وأن الله لا ينصر إلا من نصره وأطاعه واتبع صراطه المستقيم؟
ألا يتعظ الصالحون من بني أمتي المضيعون للأوقات، ألا تربي فيهم الأحداث العزم والجد وتربية الذات؟ فلم لا تربى النفوس على الشجاعة، وعلى قصص البطولة والجهاد، بدل إغراقها في الترف وحب الراحة والخمول والكسل؟ فالنفس إن لم تشغلها في الطاعة والجد والاجتهاد، اشتغلت في المعصية، والضياع والفساد. إذًا فطريق الرجوع يكون بإحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتمسك بها، والحذر من إحداث ما لم يأذن به. ثم بالحذر من الوقوع في المعاصي والمنكرات التي حذرنا منها صلى الله عليه وسلم، وإعادة الأمة إلى شرع ربها وقيامها بواجبها في الدعوة والبلاغ ونشر دين الله ـ عز وجل ـ باللسان والبنان والسنان حتى يتحقق ما وعد به رسولنا صلى الله عليه وسلم من بلوغ ملكه مشارق الأرض ومغاربها. ثم أيضًا بتحذير الأمة من الاشتغال بالمظاهر عن الحقائق؛ فإن في هذا تضييعًا للقضايا العظيمة واختزالها في مظاهر جوفاء، لا يوافق عليها نقل صحيح ولا عقل سليم. إذًا فلا نجاة للأمة الإسلامية، إلا بالأخذ بأسباب النصر الحقيقية والتي من أهمها: الإخلاص، ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، والحرص على سلامة المنهج. ولو تساءلنا عن سبب انتصار صلاح الدين في معركة حطين؛ لقلنا إنه بنشر العلم الصحيح؛ وإحياء السنة؛ وقمع البدعة؛ وتوحيد المسلمين على عقيدة التوحيد، واقرؤوا إن شئتم تاريخ الملك الصالح؛ محمود نور الدين زنكي، وكيف كانت آلاف المدارس والمعاهد الشرعية في عصره تؤصل في النفوس عقيدة التوحيد؛ وحب الجهاد؛ وبذل النفس من أجل دين الله، ومحاربة البدع والخرافات، مما كان تهيئة لعصر صلاح الدين الذي أكمل المشوار؛ وقاد تلك النفوس لرفع راية التوحيد؛ ولتكون كلمة الله هي العليا. إذًا فهي منهجية علمية وتربوية، تحتاج إلى صبر ومجاهدة وطول نفس، فهل نستفيد من دروس التاريخ والسيرة.
ثانيًا: من الوسائل لنصرة الأقصى: الجهاد في سبيل الله:
لا أحد يشك في أن الحل بذروة سنام الإسلام، الجهاد في سبيل الله؛ فقد أوضحت الانتفاضة أن الجهاد هو السبيل الأقوم والطريق الأمثل لأخذ الحق والاعتراف به، وأيقن المسلمون أن راية الدين إذا ارتفعت تصاغرت أمامها كل راية. لكن لابد من أن نتذكر دائمًا أن الجهد يحتاج إلى قاعدة صلبة من الإيمان والرجال، وليس مجرد عواطف وحماس، ولا بد أن نسأل أنفسنا بعمق وتدبر: هل واقع البلاد الإسلامية والعربية مهيأ الآن لقيام الجهاد الذي سيقود للنصر؟ أو أنه جهاد سيستغل لرفع رايات وأهواء، وغيرها مما لا يخفى على عاقل؟! ثم كيف لنفوس لم تنتصر على أنفسها فهي أسيرة للشهوات والملذات والمعاصي أن تنتصر بساحة الجهاد. قال بعض الشباب الغافلين: أنتم افتحوا لنا الطريق وسترون؟ قلت: كيف وأنتم بهذه الحالة من الغفلة والبعد عن طاعة الله؟ وهنا تكمن المشكلة حين نفهم أن الجهاد قوة وشجاعة فقط. فمن ظن هذا لقد أخطأ؛ فالجهاد قوة إيمانية وروحية قبل أن يكون مجرد قوة عتاد وشجاعة نفوس، والتاريخ يشهد بهذا. فهل ما يتلقفه الكثير من المسلمين من خلال وسائل الإعلام المتنوعة من فساد للدين وانحراف الأخلاق وشيوع الرذائل هل هي أسباب تؤهل للنصرة على الأعداء، أم لسيطرة الأعداء على العالم الإسلامي؟ بكل صراحة نقول: إن الكثير من النفوس غير مؤهلة للارتقاء لمستوى المسئولية والإحساس بواجبهم تجاه القضايا التي يعيشونها. ولكن هذا كله يزول لو اتخذت التدابير والأسباب بجدية من الراعي والرعية، على مستوى الشعوب الإسلامية، وإنما عجزت الشعوب الإسلامية عن هزيمة اليهود؛ لأنها رفعت رايتها باسم العصبية القومية، وليس لتكون كلمة الله هي العليا: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[40]الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:40ـ41].
فهل نجح اليهود بإبعاد الإسلام عن معركتهم مع العرب؟ فهم يعرفون تمامًا أن دين الإسلام هو مصدر عزة هذه الأمة، وقوتها الحقيقية، ويعلمون أن الموت في سبيل الله حياة تتمناها النفوس، وتبذل في طلبها المهج كما قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]، ثم لنعلم ونتذكر أن الجهاد في سبيل الله أنواع؛ فمن لم يستطع بنفسه فبماله وقلمه؛ أو بكلمته؛ أو بعلمه؛ ولو بهمه وحرقته ودعائه وقنوته.
ثالثًا: من أهم الوسائل للنصرة:الدعاء:
وكم سمعنا من أخ يقول: لا تقل لنا الدعاء، نريد شيئًا آخر، نريد عملاً لا كلامًا، وأقول لمثل صاحب هذا القول: أول أسباب الهزيمة، وعدم الإجابة: هذه النظرة للدعاء، وعدم إعطائه قدره، وترك القيام به كما ينبغي بآدابه وشروطه وواجباته، نعم أخي لقد جاء في الحديث: 'ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ'.
أتسخر بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمدٌ وللأمد انقضاء
شأن الدعاء في كشف البلاء من الأمور المعتقدة والمشاهدة، وهو من حسن الظن بالله، وهو سلاح عظيم يستدفع به البلاء، ويرد به سوء القضاء، وهل شيء أكرم على الله من الدعاء؟!
ولو لم يكن في الدعاء لإخواننا إلا الشعور بالجسد الواحد، والمواساة ورقة القلب، لكفى {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43]، ولو لم يكن في فضله إلا هذه الآية لكفى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77]، ويكفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: 'أفضل العبادة هو الدعاء'، أليس الدعاء تذللاً وخضوعًا، وإخباتًا وانطراحًا بين يدي الكريم المنان، بل صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: 'الدعاء هو العبادة'. فمتى يعرف المسلمون قيمة وقدر هذا السلاح؛ فالدعاء سلاح الخطوب، سلاح المؤمن الصادق في إيمانه، لكنه يحتاج من يجيد الرماية، ويحسن تسديد السهام، يحتاج لاستمرار ومواصلة؛ وصبر وجلد؛ وعدم ملل. ففي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: '... فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف بربه مادًا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9] فأمده الله بالملائكة. قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيًا، فنظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق وجه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت؛ ذلك من مدد السماء الثالثة'.
إخوة الإيمان! بمثل هذا الدعاء يكون النصر للمسلمين، دعاء من قلب صادق، وليس غافل لاه، دعاء من قلب مليء بالثقة واليقين كلما رأى الأمور تشتد؛ والمكر والكيد يزداد، قال: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب:22]، ثم زاد في دعائه وعمله وسعيه لفعل كل ما يستطيع من أسباب النصر دون تردد أو خوف، أما الدعاء من قلب ضعيف شاك بنصرة الله فما عساه أن يفعل ولم يؤثر بدءًا بقلب صاحبه؟ فما أجمل الدعاء إذا كان من قلب قوي موقن بالإجابة! ما أجمل الدعاء إذا امتزج بالسعي والعمل، والخضوع والانكسار! وما أجمل انتهاز فرص أوقات الإجابة كوقت السحر حين نزول ملك الملوك، ناصر المستضعفين، ووقت السجود، والخلوات! وكيف إذا صاحب هذا أيضًا انكسار وخشوع وبكاء، وتوجهت الأحاسيس كلها إلى بارئها تعالى، هنا يكون الدعاء أثر، وهنا يكون الدعاء وسيلة فاعلة؛ بل أعظم وأهم وسيلة للنصرة الحقيقية للمسلمين؛ فليكن للأقصى حظ من دعائك، بل أليس القنوت في النوازل من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فأين قنوتنا؟ فإن لم يكن جماعة أفلا يمكن أن يقنت العبد بمفرده من أجل إخوانه وعقيدته؟ فادع وأكثر لا تيأس، ولا تتعجل، {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]، إذًا فأنت مطالب بالدعاء لإخوانك؛ والتضرع والإلحاح بالدعاء، الدعاء الذي يتحرك به القلب قبل أن يلهج به اللسان، دعاء القلب الذي يعتصره الألم، ويحرقه الهم للمسلمين؛ فمن منا أيها الإخوة رفع يديه إلى السماء، وتوجه إلى الله بالدعاء؟ من منا قنت في ليلة ودعا على أعداء الإسلام واليهود الغاصبين؟
وسلاحنا النووي تقوى ربنا
فبها سنجعلهم هشيم المحتظر
ولنا سهام الليل تفعل فعلها
والأمر للمولى كلمح بالبصر
جبناء يستخفون رغم رصاصهم
يخشون طفلاً راح يقذف بالحجر
فإلى كل مسلم يريد نصرة إخوانه: الله الله بالدعاء، سبحان الله .. أليس في المليار أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره؟ فإياكم وقسوة القلب، وشدة الغفلة، والإغراق في الدنيا، ونسيان مصاب إخوانكم. إن دمعة من عينيك، ودعوة من قلبك، وزفرة من صدرك لهي دليل على صدق الانتساب لهذا الدين.
رابعًا: الصدقة وبذل المال في سبيل الله :
وكما أن الله تعالى أوجب الجهاد بالنفس فقد أوجب الجهاد بالمال، وحث عليه ورغب فيه فقال: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7]، فما أروع أن يتفاعل المسلمون وخاصة التجار والأثرياء فيجعلوا الهم للإسلام والمسلمين أولاً؛ فما نقص مال من صدقة، فهل نجعل لقضية فلسطين، ولإخواننا المستضعفين من أموالنا نصيبًا؟ وهذا من المشاركة معهم في جهادهم، بل قد يكون الجهاد بالمال أحيانًا أعظم من جهاد النفس لأن بذل المال الكثير يكون نفعه متعديًا ونفع النفس يكون مقصورًا على صاحبه أحيانًا فما أروع تكل البادرة التي بردت من صاحب تلك الإبل الذي اهتم واغتم حزنًا للأقصى وحال إخوانه هناك، وأصبحت القضية همًا يعتلج في ذهنه فما وجد إلا أن باع إبله وهي كل ما يملك وتبرع بقيمتها.
خامسًا: بث روح العزة واليقين وعدم التيئيس والتخذيل:
بالصبر واليقين ينصر المسلمون وتنال إمامة الدين، اليقين بوعد الله تعالى لأوليائه المؤمنين بالنصر مهما زادت المحن والعقبات؛ فهذه بشارات تلوح قبل النصر. قال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173]، {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]، واسمع لليقين والتفاؤل العجيب عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي أشد المواقف وأصعبها؛ فقد كان يضرب بالمعول في غزوة الأحزاب ويقول: 'الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا. ثم قال: بسم الله، وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس؛ والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة أخرى فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن؛ والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا'. ومن طريف ما يروى في الإيمان واليقين، ما ذكره ابن كثير رحمه الله: 'لما افتتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص ـ حين دخل بؤنة ـ من أشهر العجم ـ فقالوا: أيها الأمير! إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها. قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت اثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل. فقال لهم عمرو: إن هذا مما لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله. قال: فأقاموا بؤنة؛ وأبيب؛ ومسرى؛ والنيل لا يجري قليلاً ولا كثيرًا، حتى هموا بالجلاء، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بذلك، فكتب إليه عمر: إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإني قد بعثت إليك البطاقة فإذا فيها: 'من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر: أما بعد: فإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك'. قال: فألقى البطاقة في النيل، فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، وقد قطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم'. وربما خطر على بعض الناس سؤال: متى يكون هذا النصر للإسلام؟! اليوم أو غدًا أو بعد سنوات؟! فأقول: المهم أن تثق بنصرة هذا الدين؛ وقد لا تشهد أنت هذا النصر ولكن .. اسأل نفسك: هل أنت ممن صنع هذا النصر؟ هل أنت ممن شارك فيه؟ ما هو رصيدك من العمل والدعوة والعبادة؟ ما هو رصيدك من البذل والتضحية في سبيل الله ومن أجل هذا الدين؟ إن النصر لا ينزل كما ينزل المطر، وإن الإسلام لا ينتشر كما تنتشر الشمس حين تشرق. ألم تقرأ في القرآن قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110]، ألم تقرأ قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:214]. نعم بلغ الأمر منتهاه حتى كان النداء: متى نصر الله؟ {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: من الآية214]. إذًا فالأمر يتطلب منا أن نبذل ما نستطيع من جهود مالية وبدنية وفكرية لأجل نصرة المسلمين والإسلام، وأن نحذر من التيئيس والتثبيط.
سادسًا: كلنا يعلم أن المعركة اليوم معركة إع